الحمد لله، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس، ونبدأ كالمعتاد بعرض نوعين من الأسئلة: النوع الأول: على الطلبة الحاضرين، والنوع الثاني: على الأخوة المشاهدين والمستمعين، ثم نتلقى الإجابة فيما بعد:
فأولا: أسأل الطلبة الحاضرين:
أولا: هل في الدين بدعة حسنة، ولماذا؟ كيف تعلل جوابك؟
العقائد ثابتة، وليس هناك بدعة تسمى بدعة حسنة أو غير حسنة؛ لأنه ثابت بالنقل، ولا يسع لأحد أن يأتي بما جد، لكن من ناحية المعنى اللغوي يطلق أحيانا على بعض الأشياء أن هذه مستحسنة لغة، لا يقصد بها المعنى الشرعي، وهي للتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالعبادة مما هو مشروع .
طبعا ليس في الدين بدعة من أجل أن تكون حسنة أو غير حسنة، وما يجدده بعض الناس من الأعمال الخيرية، أو من السنن التي نسيها الناس هذا لا يعتبر ابتداع، إنما هو داخل في التجديد المشروع، داخل في إحياء السنة، وعلى هذا فإنا لو تجوزنا كما تفضل زميلكم في إحياء هذه السنة التي أحييت بدعة فهي من باب الدلالة اللغوية، ومع ذلك يجب تجنبها لما صارت تلبس.
السؤال الثاني: كيف نوفق بين خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا تجمع الأمة على ضلالة وبين ما أخبر به من وقع الافتراق؟
الأمة في مجموعها لا تجمع على ضلالة
يعني: الأمة في مجموعها كلها لا تجمع على ضلالة
لا تجمع على ضلالة في آحادها هنا تنتفي العصمة .
إذن الأمر واضح حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنـه(لا تزال طائفة على الحق منصورة ) يعني هذا:أنه لن يكون الإجماع على ضلالة، أما خبره عن الافتراق فإن كان أخذ صيغة العموم فإنه يعني الأغلب، أو أنه قد يكثر الافتراق في بعض الظروف، وعلى هذا فلا تنافي بين الأمرين.
الآن سأوجه ثلاثة أسئلة للأخوة المشاهدين ثم نتلقى الإجابة ونبين القول فيها:
أولا: ما الفرق بين الرؤيا التي هي حق وبين الأحلام؟
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنواع الرؤى والأحلام، فما هذه الأنواع التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث؟
السؤال الثالث: ما القاعدة في رد البدع؟ وما النص الوارد فيها؟
والآن بحول الله نبدأ درس اليوم:
درس اليوم في موضوعه يعتبر هو تاج العقيدة، هو قمة لباحث العقيدة وموضوعاتهما؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل -بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولا شك أن هذا هو غاية التوحيد معرفة الله عز وجل، ومعرفته، وعبادته، والتوجه إليه، هذه غاية التوحيد، هذا يسمى: التوحيد العلمي الاعتقادي، توحيد الله عز وجل بذاته وأسمائه، وأفعاله، وما يجب له سبحانه هذا يسمى: التوحيد العلمي؛ لأنه علم يتلقى عن الوحي المعصوم، ويسمى الاعتقادي؛ لأنه يجب أن يعتقد لا يجوز لمسلم أن يخل بما يجب لله -عز وجل- على جهة الإجمال، وما يبلغه أيضا على جهة التفصيل.
هل التوحيد العلمي الاعتقادي أوله ما يتعلق بذات الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ثم ما يترتب على ذلك من ثمرات في قلب المؤمن وسلوكه؟
وقبل أن أذكر الأصل في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، كما جاء في الكتاب والسنة وقرره سلف الأمة، أحب أن أنبه إلى بعض القواعد المهمة المفيدة التي ينبغي أن يستصحبها كل مسلم في قلبه و عقله وفي نظراته تجاه حقوق الله- عز وجل - وما يجب له، وتجاه أيضا أمور الدين، ومسلمات الدين، هذه القواعد في هذا الباب فقط أي في باب أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، من أهمها في نظري: أولا: أن أسماء الله كلها وصفاته وأفعاله حسنى بالغة الحسن، بالغة الكمال والجمال، فالله -عز وجل - موصوف بكمال الكمال، وبكمال الجمال جملة وتفصيلا، فجميع أسمائه، وصفاته، وأفعاله، هي حسنى، كما قال الله -عز وجل-: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[الأعراف: 180].كلها حسنى بإطلاق، وتشتمل على كل معاني الحسن، والكمال، والجمال، ثم ثانيا: هي غاية الكمال في كل شيء في معانيها، وفي ألفاظها، وفي حقائقها، وفي ثمارها، لا يتطرق إليها النقص بحال من الأحوال.
وثالثا: لا يرد فيه النقص بوجه: أي أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، لا يمكن أن يرد فيها، ولا إليها، ولا حولها لا في الذهن، ولا في القلب، الذهن الصافي، والقلب المؤمن لا يمكن أن يرد فيه شيء من تصور النقص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله.
القاعدة الرابعة: أنها حقائق وأعلام وأوصاف، حقائق بمعنى: أنها يوصف بها على الحقيقة، الأسماء يسمى بها الله -عز وجل- على الحقيقة، والأفعال أيضا منسوبة إلى الله -عز وجل- على الحقيقة، على ما يليق بجلال الله سبحانه؛ لأن مفهوم الحقيقة أحيانا قد يتبادر إلى أذهان الناس أن المقصود بالحقيقة الكيفية، وهذا لا شك أنه منفي؛ لأن الله -عز وجل- ليس كمثله شيء، لكنه موصوف بالحق، فهو الحق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وأفعاله حق، وعلى هذا فإنه أعلام: أي أنها تطلق على الله، وهو- سبحانه- علم معروف بآياته، وبنعمه، وبجميع أنواع المعارف، فإنه -عز وجل- لا يخفى أمره على أحد؛ ولذلك الله -عز وجل- قرر هذه القاعدة لجميع العقلاء يقول: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[إبراهيم: 10]، فإذا كان كذلك فإذًا هو موصوف أو مسمى بأسماء هي أعلام على ذاته، وإن كانت هذه الأسماء تدل على صفات، وتدل على أفعال، وتدل على معاني الكمال، فهي كذلك أيضا من حيث مضامينها، ومعانيها، وحقائقها، فهي: أي أسماء الله، وصفاته حقائق لا مجازات، هي حقائق لا رموز.
ثم القاعدة الخامسة: أنها توقيفية: يعني أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على جهة التفصيل موقوفة على ما جاء به النص، نعم، العقول السليمة، والفطر المستقيمة تدرك كثيرا من الكمالات لله على جهة الإجمال، فوجود الله، وعظمته، وكماله -سبحانه- واتصافه بصفات الكمال، وأيضا إدراك علمه، وحكمته، وسائر الصفات الإجمالية، والمعاني الإجمالية تدرك لله -عز وجل- لكن على جهة التفصيل أكثرها وليس كلها لا يمكن إدراكها على ما يليق بجلال الله -عز وجل- إلا بما جاء به النص، وعلى هذا فهي توقيفية.
ثم القاعدة السادسة: أسماء الله، وصفاته، وأفعاله غير محصورة؛ لأنه الكمال المطلق، لكن جاءنا بخبر القرآن، والسنة عن أسماء الله، وصفاته ما يناسب أحوالنا، ويناسب مداركنا، ولا يعني ذلك أن أسماء الله محصورة بما ورد وحتى ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن(لله تسعا وتسعين اسما ) لا يعني ذلك الحصر إنم يعني ذلك ما يمكن أن يرد إلى مدارك عقول الناس بتعبيرات، وباللسان الذي خاطب الله به البشر، ولذلك فإن أسماء الله لا حصر لها، وكذلك صفاته، وأفعاله، والدليل على ذلك كونه موصوف بالكمال الكمال لا ينتهي، والأمر الثاني ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصوص كثيرة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أنه حين يدعوا ربه يقول: حديث الشفاعة (أدعوه بمحامد يلهمني الله إياه) كذلك الدعاء الآخر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. )معنى هذا: أن الله تعالى استأثر في علم الغيب عنده أي: حجبه عنا من أسماء، وصفاته، وأفعاله، ومحامده، وكماله مالا يحصى.
بعد هذه القواعد وهي ليست كل القواعد لعلها أهم القواعد التي ينبغي استحضارها في هذا المقام.
نبدأ بالأصول المتعلقة بتوحيد الله -عز وجل- بذاته، وصفاته، وأسماءه، وأفعاله:
أول ذلك أن الأصل والقاعدة في إثبات الأسماء والصفات لله -عز وجل- إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - و، نفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كل هذا أي الإثبات من غير تمثيل، والتمثيل يعني: التشبية، والتجسيم، وغير ذلك من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله -عز وجل- تثبت له الأسماء، والصفات، والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، ولا العكس، كذلك من غير أن يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلق لاجزئيا، ولاكليا، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل، والتشبيه ممنوع من الطرفين فلا الله -عز وجل- يشبه شئ من خلقه، ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال، والتفصيل، كل ذلك أيضا الإثبات من غير تحريف، ومن غير تعطيل أي: من غير أن ننفي عن الله -عز وجل- الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على نحو ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله -عز وجل- في ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله, لا يجوز أن يقول هذا مجاز، ولا أن يقال يؤول، ولا يصرف عن معانيه، ولا يقل إنه يقتضي التشبيه، ولا أنه لا بد فيه من قياس.
كل هذا لا يجوز إطلاقا؛ لأنه غيب ولأنه- أي ما ورد من أسماء الله، وصفاته- هو كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- ﴿الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
ولذلك؛ جاءت هذه القاعدة في كتاب الله - عز وجل- في كلمات معدودات يجب على كل مسلم أن يستحضرها، ويجعلها ميزان في قلبه وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]، ليس كمثله شيء بمعنى أنه: لا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئا من مخلوقاته، لا في الجملة، ولا في التفصيل، لا في العموم، ولا في المفردات، لا يمكن أن يرد التمثيل ومع ذلك هو السميع البصير، ولعل من حكمة الله -عز وجل- حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في قلب المسلم وعقله نفي المشابهة أصلا قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله، وصفاته، فإنه ثبت في قلبه وعقله في أن الله لا يماثله شيء مطلقا.
فمن هنا تسلم عقيدته، وتسلم ذمته، ولا يتكلم على الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص و ما دلت عليه،يعنى ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة هي حقائق في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله هي حقائق لها معاني حق فيما يجب لله -عز وجل- ولا يمكن أن تفسر بمعاني تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله -عز وجل-، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة، والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله -عز وجل- ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾[آل عمران: 7]، ولذلك؛ ادعى كثير من المبطلين أن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف يكون متشابه؟ حق بيِّن كالشمس واضح يقال من المتشابه، ولكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ فظنوا أنه من المتشابه.