دلال المغربي .. اسطورة وحياة

دلال المغربي .. اسطورة وحياة

دلال المغربي .. شهيدة الـ 18 عاما ً .. اول من اقامت الجمهورية الفلسطينية على شواطئ فلسطين .. اقامتها بالبندقية والورود .. اقامتها بالقنابل اليدوية وعطر الياسمين .. انها دلال المحبوبة المعشوقة لكل من عاصرها او حادثها او تعامل معها .. دلال عشقت اللون البرتقالي فعشقتها الطبيعة .. دلال صغيرة في سنها كبيرة في عقلها وتفكيرها ..
في تقرير اجتماعي أعده الملتقى مع العميد رشيدة المغربي الشقيقة الكبرى للشهيدة دلال للوقوف على حياة هذه البطلة اجتماعيا ً وعائليا ًو عسكريا ً ..
دلال ابنة لام لبنانية واب فلسطيني اصيب في حيفا اثناء النكبة فنقل قسرا ً الى لبنان هو ووالدته التي توفيت على الفور بعد وصولها ارض لبنان الشقيقة .. وبدأ الوالد مسيرة الحياة الصعبة وبنى نفسه بصلب يداه وتفكير عقله دون مساعدة من احد وتزوج والدة دلال وسكنوا بامان وسكينة في هذا البلد الآمن .. دلال لم تكن مثل قريناتها من البنات .. فهي وان لم تعاني قسوة اللجوء لكنها احست بمأساة شعبها وعاصرت مصائبهم وشاركتهم احزانهم رغم صغر سنها ...
في مستشفى القدس كانت البداية ..
مستشفى القدس هو اول مستشفى فلسطيني اقيم في لبنان .. باشراف من الدكتور فتحي عرفات شقيق القائد المعلم ياسر عرفات .. كان في السابق مستشفى تابع لجمعية الهلال الاحمر .. وبعد احداث ايلول وخروج الثورة من الاردن وتوجهها الى لبنان والكم الكبير من المصابين تم ترميم المشفى على يد متعهد انشاءات وقع الخيار عليه الا وهو والد دلال وعن طريقه حصل الاتصال .. كان والد دلال يقف بسيارته كثيراً هناك قرب المستشفى بوجود عائلته في السيارة وينزل للاشراف على العمال وكانت دلال تسأل اختها كثيراً ماذا يفعل والدي هناك ويعود دوماً منهكاً من هناك ؟ وما المقابل من ذلك العمل والتعب وكانت الزوجة تسأل زوجها نفس السؤال ؟ ، بعد الانتهاء من ترميم المشفى والبناء ، بدأت دلال زياراتها للمشفى ومشاهدة المصابين الفلسطينيين المقطعة اطرافهم والمحملين بقصص الثورة وبطولاتها والجرائم التي حصلت ضدها فتعاطفت دلال البالغة من العمر آنذاك 10 اعوام مع ابناء شعبها وارادت التطوع لمساعدة الجرحى الفلسطينيين فرفض الدكتور فتحي ذلك رغم اصرارها وتصميمها على دخول دورة ممرضات لكن الرفض كان الجواب الوحيد ، وفي نفس الوقت وافق الدكتور فتحي عرفات على اشراك " رشيدة " الاخت الاكبر من دلال بـ احد عشر شهراً بعد الحاح على والدها وليتجنب والدها ذلك الالحاح والبكاء .
رشيدة التي تقول بانها غادرت لبنان الى سوريا في احدى المرات برفقة والدتها لتجهيز جهاز عرس احدى الخالات ومنعها الموظف من العبور بسبب جنسيتها الفلسطينية وباقي من معها لبنانيات تتحدث للملتقى عن دلال وطفولة فتاة رائعة تحب من حولها وترسم الابتسامة على وجوههم بصداقتها لهم وحبها لابتسامتهم ، وحياة طفلة صغيرة فاقدة لحقوقها قبل ان ترسم حدود فلسطين وتصبح شهيدة فلسطين ، كانت تحلم بالعودة الى ان نالتها بعد الاستشهاد!
تسرد لنا رشيدة مواقف عدة من مواقف دلال ، رشيدة التي لا تحب ان تتحدث عن نفسها لكي لا تظلم دلال في حقها ، حاولت ان تبتعد عن المواضيع التي يدخل اسمها بها لكن ارتباطها بدلال اكثر من ارتباط شقيقتين لا يفرق بينهم سوى عام واحد ، فتحدثنا رشيدة عن دلال الطفلة " في احدى الايام رجعت والدتي من السوق وكان معها 3 سناسيل " عقد " اعطت لكل من شقيقاتي سنسال ولم تعطيني مثلهم ، فبدأت بالبكاء رغم ان والدتي قالت لي بان سنسالي عند صاحب المحل وبكرا بجيبلك ياه لانه اسمك طويل وغير اسماء خواتك ، فلم اتوقف عن البكاء ، عندها ارجعت دلال سنسالها لوالدتي فقالت لها والدتي بان رشيدة لها سنسال ، وردت عليها دلال ، لما تجيبي سنسال رشيدة بلبس السنسال ، ما بينفع البس سنسال واختي مش لابسة متلي "
وفي موقف آخر ، تقول رشيدة كان عندي سترة برتقالية اللون ، طلبتها مني احدى صديقاتي ورددت عليها بالايجاب ، وفي نفس اليوم طلبتها مني دلال لترتديها ، فقلت لها بأني ساعطيها لصديقتي لاني وافقت على طلبها ، فقالت لي دلال بتفضلي صاحبتك عليّ ؟ ، قلت لها ليس تفضيل بقدر ما هو منعاً للاحراج ، وكان يجلس بجوارنا والدي فقال لي تنحرجي مع صديقتك احسن ما تنحرجي مع اختك ، فاعطيت دلال السترة "
تم انشاء مشفى حيفا في مخيم برج البراجنة وبدأت دلال الصغيرة بالتطوع هناك ومساعدة الجرحى والتطوع في الهلال الاحمر وازداد اختلاطها بابناء الثورة الفدائيين زاد معه اصرارها الدخول في هذه الثورة التي تقودها فتح .. ومن ثم التقت واختها رشيدة مع القائد الشهيد ابو يوسف النجار الذي وافق على دخول رشيدة الى دورة امن خاصة بالحركة ونالت دلال الرفض مجددا ً ولنفس السبب ..
ومن ثم جاءت الصدمة الاقوى التي تعرضت لها دلال باغتيال ابو يوسف النجار ورفاقه الامر الذي اوقد شعلة الغضب داخلها فزاد اصرارها واستطاعت الالتحاق بدورة خاصة بالاشبال وكانت تذهب وشقيقتها رشيدة الى مكتب خاص بالثورة على طريق الجديدة في بيروت للأخ صلاح خلف وكل ذلك دون علم احد حتى اقرب الناس لهما .. وكان الجميع يعلم انهم يقضيان وقتهما بجمعية الهلال الاحمر القريبة .
استمر الامر على ما هو عليه حتى بداية الحرب الاهلية فبدأ يكشف انتماء الاختين للحركة وعرف والدهما بالامر قبل ذلك وكاد تكتم دلال ان يودي بحياة اختها بعد ان تسرب خبر ارتياد رشيدة لبيت يسكن فيه طلاب ، مما اثار غضب الخال الذي يريد ان" يعيد للعائلة شرفها " على حد تعبيره ، فرفض الوالد ان يفعل الخال ذلك بعد ان وصل برفقة دلال التي جنت عندما شاهدت اختها في مشهد الموت ، رفض والد دلال السماح للخال بذبح رشيدة فهو اولى بذبحها لكن بعد ان يعرف الذين غرروا بها ، ولم يتفاجئوا من ردة فعل والدهم بعد ان عرف بان بناته يعملون مع الثورة ، رشيدة التي انخرطت ضمن صفوف الحركة بشكل علني حسب ظروف الجهاز الذي تنتمي اليه في تلك الفترة وتكتمت دلال على انتمائها امام العامة حيث كانت ترفض حمل السلاح بشكل علني وترفض ان تلبس الزي العسكري خارج معسكرات الحركة او خارج جبهات القتال .

معيقات تنفيذ العملية .

بدأ التجهيز للعملية الفدائية وتم اخذ افضل العناصر من اجهزة ومؤسسات الحركة للتنفيذ وكانت دلال عن الكتيبة الطلابية وبدأت التدريبات الشاقة التي خلالها تعرضت دلال لأزمة كادت تلغي مشاركتها بالعملية لولا تكتمها وحرصها .. حيث ادى حريق صغير ناتج عن سيجارة في مجموعة كراتين تفصل بين الاسرة الى استنشاق دلال النائمة للغازات الناتجة من الحريق و اصابتها لما هو اشبه بنوبات ربو متباعدة تصيبها .. ورغم ذلك تكتمت على الموضوع وتابعت التدريبات وحصلت على المركز الاول في دورة الضفادع البشرية رغم اصابتها .

واحد المعيقات ايضاً كان عندما طلبت رشيدة الاشتراك في العملية بجانب دلال ، الامر الذي رفضه خليل الوزير انذاك لعدم خروج رشيدة من اصابة كانت تعاني منها ، ولا يمكن لشقيقتين ان تشاركا في عملية واحدة ، لانهم سيتركون القتال وتنشغل كل واحدة بالنظر الى الاخرى
فطلبت رشيدة من دلال الضغط على ابو جهاد لاشراكها في العملية ، ورفض مجدداً وهدد دلال باخراجها من العملية ان تم فتح هذا الامر مرة اخرى .

بعد الانتهاء من التدريبات اخذت دلال اجازة لحضورة عيد ميلاد اخيها وكانت حجة لتوديع اهلها وداعا ً صامتا ً وحصل الوداع وآخر من قبلته كان اخيها الصغير فادي الذي كان يبلغ من العمر عامين وكانت دلال تحمله بيدها والغريب انه رغم صغر سنه يتذكر كافة تفاصيل ذلك اليوم وتفاصيل وملامح دلال التي سمى ابنته تيمنا ً بها .

اثناء تنفيذ العملية ..

كانت رشيدة تحرس امام مقر ال17 مقابل مقر العمليات المركزية في بيروت قرب الجامعة العربية , انهت نوبة حراستها وذهبت متوجهة الى منزلها مارة من امام مقر العمليات المركزية حيث صادفت هناك القياديين "أ.ط " و "م.م" الذين رفضوا ذهابها الى المنزل وعادوا معها الى مقر ال17 وحاولوا تبليغها بأن هناك عملية تجري الان في اراضينا المحتلة واختها دلال قائدة لهذه العملية فاجابتهم انها على علم .. في هذه الاثناء وفي مقر العمليات المركزية كان القائد الشهيد خليل الوزير - ابو جهاد - والقائد الشهيد ابو عمار يتابعان العملية اول باول باتصال مباشر مع الخلية الفدائية حتى الساعة ال1 والنصف فجرا ً الساعة التي انقطع عندها الاتصال مع الخلية .. وهنا نهضت رشيدة وقالت ان دلال الان في رحمة الله وتوجهت الى منزلها مع اوامر صارمة بعدم افشاء الخبر ..

تفاصيل ابلاغ اهل الشهيدة .

احمد احد اخوة دلال .. كان يملك محل بقالة بجانب المنزل ويغلق محله مبكراً .. لكن في هذا اليوم كان المحل مفتوحا ً على غير عادته رغم تأخر الوقت وكان والد دلال جالسا ً فيه وبجانبه المذياع ولعبة " طاولة النرد " يلعبها مع احد اصدقائه وكان ظاهراً بان الانشغال بسماع المذياع انهى لعب الطاولة .. دخلت رشيدة الى المحل ليستقبلها والدها صائحا ً بالعامية " تعالي تعالي , اسمعي الابطال شو عملوا .. تعالي شوفي الابطال " ... رشيدة كانت متأثرة كثيرا ً لعلمها باستشهاد اختها لكن لم تستطع ان تبوح بشيء .. وشعر الوالد بشيء غريب وسألها ان كانت تعرف احد من منفذي هذه العملية او ان كان احد المنفذين من اصدقائها لكنه لم يستطيع الحصول على معلومة وتظاهرت بوجود صداع في راسها لتتهرب من والدها التي لم تعتد ان تخفي عنه شيئاَ ..
توجه الجميع للنوم .. واشرقت صباح اليوم التالي للعملية .. ولم يكن احد على دراية باشخاص من نفذوها .. وبدأ الناس بالخروج الى الشوارع فرحا ً وتوزيع الحلويات ومباركة بعضهم .. وامر الشهيد ابو جهاد بالبحث عن صورة لدلال ليتم نشرها .. فوجدوا صورة لها اثناء التدريب فطبعوها على ورق "a4" ونشروها وبدأ الناس تداولها حتى وصلت صورة الى يد اخ الشهيدة محمد الذي انصدم مما رآه ولم يصدق انها دلال .. فذهب مسرعا ً الى المنزل ومعه الصورة التي راتها والدة الشهيدة ولم تصدق عينيها خاصة وانها لا تعلم ان ابنتها في حركة فتح من اصله بل تعلم انها متطوعة في الهلال الاحمر وصرخت قائلة بنبرة حزن وغضب " هاي مش بنتي .. دلال احلى من هيك " .. واثناء تقبل العائلة للخبر فوجئت بدخول مجموعة من القادة على راسهم ابا عمار وابا جهاد وسعد صايل بشكل سري الى المنزل .. وكان الشهيد ابو جهاد يحمل اكليل ورد كُتب عليه " هكذا تُزف بنات فلسطين " وقدموه للعائلة مباركين لهم استشهاد هذه البطلة الرائعة .

جثمان الشهيدة دلال .. ما المصير ؟؟؟

بعد ثلاثة ايام من العملية , جاء وفد من منظمة التحرير الفلسطينية معه ثلاثة اشخاص من الصليب الاحمر سألوا العائلة ان كانت تريد استعادة جثمان الشهيدة الطاهر .. لكن الاب الصلب الهادئ قال : " دلال تريد ان تدفن في فلسطين وسنلبي لها رغبتها " , وتم انهاء الحديث بان يقوم الصليب الاحمر باستعادة الجثمان الطاهر وتسليمه للوقف الاسلامي في القدس ليتم دفنها بجانب المسجد الاقصى .. وهذا الامر الذي لم يحصل ..

الى رحمة الله يا عروس فلسطين .. يا ابنة ال 18 ربيعا ً ..

يسلمولك اخي عنجد اسطورة

مشكووووووووورة اخت فلسطينية علي مرورك
و بارك الله فيكي
يعطيكي الف عافية

» محافظ نابلس يلتقي السفير المغربي ويطلعه على اوضاع المدينة